للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكائه، واستنبط بِجَودة قريحته ما لعله يدق على من هو أكبر منه سناً وأكثر تجرِبة (١).

ومن أول دليل على قبح التشبه بالمجانين والحمقى ما رواه ابن عدي في "كامله" عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِيَّاكُمْ وَرَضاعَ الْحَمْقاءِ" (٢).

والحكمة في ذلك أن الرضاع يغير الطباع، فنهى عن إرضاع الصبي من الحمقاء لئلا يسري إليه من حمقها شيء.

ولعل التشبه بالمجانين أبلغ من سريان حالهم إلى المتشبه من الرضاع في طباع الرضيع.

ولقد قال حجة الإسلام الغزالي: لا يتجنن إلا المجنون (٣).

قلت: بل المتشبه بالمجنون أسوأ حالاً منه من وجهين: الأول: أن المجنون سُلِبَ نعمة العقل فلا يطالب بشكرها، والعاقل المتشبه كفر نعمة العقل من حيث إنه لم يستعمله فيما خلق له، وهو بذلك متعرض لزوال تلك النعمة؛ فإن كفران النعم يبيدها، كما أن الشكر يفيدها ويزيدها، ولذلك قال بعض الحكماء: ما تجنن أحد قط إلا وانتهى أمره إلى الجنون.


(١) انظر: "أدب الدنيا والدين" للماوردي (ص: ٨).
(٢) رواه ابن عدي في "الكامل" (٢/ ٣٦٠) وأعله بالحسين بن علوان، وقال: كان يضع الحديث.
(٣) انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (٢/ ١٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>