للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ

اعلم أن الجنون تارة يقع به الاختلال في أمور الدنيا، وتارة في أمور الآخرة.

فأما الأول: فهو أن الجنون قد يغلب عليه الخوف والحزن، فلا يلتفت إلى نعيم الدنيا، فربما ترك النساء ولم يلتفت إليهن، وربما أعرض عن أكل الخشكنان (١)، وأكل خبز الخشكار (٢)، وربما ترك شم الرياحين، ونام في مجتمع القمامات والسراجين.

وقد يغلب عليه الأنس والطرب، فيموت ولده ولا يحزن، وَيخْرَب بيته ولا يهتم، ويذهب ماله ولا يتأثر، ويصفع عنقه ولا يغضب، وتتوالى عليه المصائب ولا يضجر، ولا يوحشه من غاب، ولا يؤنسه من حضر؛ فهذه الأحوال قد يحسن التوصل إليها والتخلق بها من العقلاء، لا من حيث تصدر من المجانين، بل من


(١) الخشكنان: فارسي وهو خبزة تصنع من خالص دقيق الحنطة، وتملأ بالسكر واللوز أو الفستق وتقلى.
(٢) الخشكار: فارسي وهو الخبز الأسمر غير النقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>