حيث النظر في العواقب؛ فإن التلذذ بالدنيا على وجه الغفلة قد يمنع من لذة الآخرة أو بنفعها، والاشتغال بالدنيا ونعيمها ليس من العقل في شيء إلا من حيث الاستعانةُ بها على الآخرة، وذلك بأن يستكثر العاقل من ذكر الموت، والبعث والنشور، والسؤال والحساب، والقصاص في الآخرة، وذكر عظمة الله تعالى وسطوته حتى يخاف، ويرهب ويحزن على ما فات من عمره في غير الطاعة، فتغلب عليه هذه الأحوال حتى تمنعه عن الالتفات إلى نعيم الدنيا، والتمتع بالنساء، والتقلب في الأموال والملابس، والمطاعم والمشارب، وسائر الملاذ، وهذا حال عقلاء المجانين وكثير من أولياء الله تعالى.
روى أبو عبيد القاسم بن سلام عن سليمان بن سُحيم قال: أخبرني من رأى ابن عمر - رضي الله عنه - يصلي وهو يترجح ويتمايل ويتأوه، حتى لو رآه غيرنا ممن يجهله لقال: لقد أصيب الرجل، وذلك لذكر النار إذا مر بقوله تعالى:{وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ}[الفرقان: ١٣] , أو نحو ذلك (١).
وروى الدينوري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: إن الفتى الذي كلم أيوب عليه السلام في بلائه قال له: يا أيوب! أما علمت أن لله عباداً أسكتتهم خشية الله من غير عِي ولا بَكَم، وإنهم لهم النبلاء الطلقاء، الفصحاء العالمون بالله وبأيامه، ولكنهم إذا ذكروا