للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَجَوَّعوا وَتَعَطَّشوا وَتَضَمَّروا ... طَلَبَ السِّباقِ وَخَفَّفوا الأَثْقالا

وَتَغَرَّبوا وَتَعَزَّبوا عَنْ أَهْلِهِمْ ... حَذَرَ الفَواتِ وَفَكَّكوا الأَغْلالا

فَطَمُوا عَنِ الدُّنْيا نُفوساً طالَما ... كانَتْ تَتِيهُ عَلى النَّعِيمِ دَلالا

خافُوا البَياتَ فَشَمَّروا بِعَزِيْمَةٍ ... طَلَبَ النَّجاةِ وَكابَدوا الأَهْوالا

حَتَّى إِذا بَلِيَتْ ضَنًى أَجْسامُهُمْ ... وَهَوى شُجوناً فِي الْهَوى

وَرَدوا جَنابَ مَلِيكِهِمْ فَحَباهُمُ ... زَيْناً يَفُوقُ الفَرْقَدَيْنِ مِثالا (١)

وقد يكثر العاقل الفكر في سعة رحمة الله تعالى وكثرة عفوه، ويذكر لطفه بكثير من خلقه ورأفته بهم، فيغلب عليه الرجاء والفرح بفضل الله تعالى، فلا ينزعج بشيء من مصائب الدنيا، ولا يحزن على شيء فاته منها؛ خصوصاً إذا اطلع على ما أعده الله تعالى للصابرين من الأجر العظيم والثواب الكثير، وذلك عن ذوي الدنيا معدود في أحوال المجانين المولهين في الله تعالى، وإليه الإشارة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اذْكُرِ اللهَ حَتَّى يَقُولُوا: مَجْنُونٌ". رواه الإمام أحمد، وأبو يعلى، وابن حبان، والحاكم وصححاه، عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه (٢).

وروى أبو نعيم عن عصام بن يزيد قال: ربما كان يأخذ سفيان رحمه الله تعالى في التفكر فينظر إليه الناظر، فيقول: مجنون (٣).


(١) انظر: "التذكرة في الوعظ" لابن الجوزي (ص: ٥٢).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٦/ ٣٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>