للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك لو غضب الإنسان لله تعالى لمشاهدة منكر في الدين، فاضطربت أحواله، وتبلبلت أقواله حتى صار في مثل حال المجانين؛ فإنه محمود على هذه الحالة ويثاب عليها.

روى ابن أبي شيبة عن أبي سلمة رحمه الله تعالى قال: لم يكن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - متحرفين ولا متهاونين، وكانوا يتناشدون الشعر في مجالسهم، ويذكرون أمر جاهليتهم، فإذا أريد أحدهم على شيء من أمر دينه دارت حَمَاليق عينيه كأنه مجنون (١).

وروى ابن عساكر عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَلِيلُ التَّوْفِيقِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ العَقْلِ، وَالعَقْلُ فِي أَمْرِ الدُّنْيا مَضَرَّة، وَالعَقْلُ فِي أَمْرِ الدِّينِ مَسَرَّةٌ" (٢).

ومقتضاه أن العبد إذا حمله التوفيق على إنكار المنكر - ولو أخل إنكاره بشيء من أحواله الدنيوية المستحسنة عقلاً عند أهل الدنيا - فلا بأس عليه، بل هو على خلق محمود وخير موجود.

ومن غلب عقله في الدين على عقله في الدنيا لمطالعة أسرار الملكوت ظهرت محاسنه، وتميز بها على أهل الدنيا، وظهر حسن فهمه، وصحة نظره كما روى الدينوري عن إبراهيم بن حبيب قال: [سمعت أبا نعيم يقول]: مر أبو الديك - وكان معتوهاً - بمعلم كتاب


(١) تقدم تخريجه، وعنده: "متماوتين" بدل "متهاونين".
(٢) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٦٠/ ٣٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>