للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبغضت فلا تبغض بغضاً تحب أن يتلف صاحبك ويهلك (١).

قلت: ومحل ذلك في المحبة من الخلق إلى محبة الله تعالى، وكلما زاد العبد حبا لله تعالى كما زاد بها قربا من الله - عز وجل - ولو صارت كَلَفاً؛ فإنها تزداد حسناً ويزداد بها صاحبها كمالاً، كما روي أن الله تعالى وصف أولياءه ببعض أنبيائه، فقال: الذين كلفوا بحبي كما يكلف الصبي بالشيء، ويأوون إلى ذكري كما يأوي الطير إلى وَكْره، ويغضبون لمحارمي كما يغضب النمر إذا حرب؛ فإنه لا يبالي أَقَلَّ الناسُ أم كثروا (٢).

قال أبو طالب المكي، وأبو حامد الغزالي رحمهما الله تعالى بعد أن ذكرا هذا الأثر: فتدبر هذه الأمثال: إن الصبي إذا كلف بالشيء لم يفارقه، فإن نام فمعه، وإن تحرك فبه، وإن هَبَّ من نومه فعنه، فإن فارقه بكى عليه، وإن وجده ضحك إليه، ومن نازعه فيه أبغضه، ومن أعطاه إياه أحبه، وإن أخذ منه لم يكن له شغل إلا الصياح والبكاء عليه حتى يرد إليه.

قالا: وأما النمر فإنه لا يملك نفسه عند الغضب لنفسه حتى يبلغ من شدة غضبه أن يقتل نفسه (٣).


(١) رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (٦٥٩٨)، وكذا البخاري في "الأدب المفرد" (١٣٢٢).
(٢) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٤٢٧٥) عن زيد بن أسلم عن نبي من أنبياء الله صلوات الله عليهم.
(٣) انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (٤/ ٣٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>