للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: "ماذا؟

قالوا: بالشعر وأنساب العرب.

فقال: "عِلْمٌ لا يَنْفَعُ وَجَهْلٌ لا يَضُرُّ".

وقال: "وَإِنَّما العِلْمُ آيةٌ مُحْكَمَةٌ، أَوْ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، أَوْ فَرِيضةٌ عادِلةٌ" (١).

فانظر كيف بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن علم الشعر والنسب ونحوهما يلحق بالمباحات، وأن العلم الذي يهتم به ويعتنى بشأنه إنما هو علم الكتاب والسنة والأحكام الشرعية، فإذا أخذ الإنسان حظه منها فلا عليه إذا ظَفِرَ في غيرها من العلوم التي لم تكن بمثابتها.

وإنما سمَّى النبي - صلى الله عليه وسلم - علم الشعر والنسب جهلًا مَع تسميته إياه علماً؛ لأن الإنسان إذا اشتغل بهذا العلم في زمان فاته قدر صالح من العلم النافع في ذلك الزمان، وكل زمان يمضي فلا يعود، فاشتغاله بعلم النسب والشعر أدى إلى جهله بذلك القدر من العلم النافع.

وأيضاً فإن أوقات العمر في غاية النفاسة، وهي رأس مال العبد من الدنيا، فإذا صرفها فيما هو نافع، أو فيما هو أكثر نفعًا، فقد جهل مقدار تلك الأوقات حيث بخسها، وبذلها فيما لا يجدي.

ومن هنا يتبين لك معنى الحديث الآتي: "إِنَّ مِنَ العِلْمِ جَهْلًا" (٢).


(١) رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (٢/ ٢٣) وقال: في إسناد هذا الحديث رجلان لا يحتج بهما، وهما سليمان وبقية.
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>