للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في طلب الدنيا، واسترسل في شهواته منها، فإنه لا يكاد ينتهي منها إلى آخر، ولا يشبع مما حصل له من مستحسناتها، ولا يروى مما شرب من خمر شهواتها، ولا يفيق من سكره منها كما في الحديث: "لَوْ كانَ لابْنِ آدَمَ وَادِيانِ مِنْ ذَهَبٍ لابْتَغَى لَهُمَا ثالِثاً" (١).

فلا يستريح من تعب طلبها، ولا يسكن من نصب رغبها، فحينئذ لا ينفع فيه زجر، ولا ينجع فيه وعظ، فهو كالكلب اللاهث حملت عليه أو تركته لأن قلبه مات من الشهوات، وبردت حرارة الموعظة فيه.

قال ابن جريج رحمه الله تعالى: الكلب منقطع الفؤاد لا فؤاد له، إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث، كذلك الذي يترك الهدى لا فؤاد له، دانما فؤاده منقطع كان ضالًّا قبلُ وبعدُ. رواه أبو الشيخ في "تفسيره"، وغيره (٢).

وقال الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول": إنما شبه الله تعالى العالم المنسلخ من الآيات بالكلب من بين سائر السباع لأن الكلب ميت الفؤاد، وإنما لهث لموت فؤاده، وسائر السباع ليست كذلك.

قيل: وسبب موت فؤاد الكلب: أن آدم عليه السلام لما هبط إلى الأرض لاذت به سائر السباع، وسكنت إليه، ونَبَحه الكلب، فضربه آدم بعصا في يده، فانقطع قلبه.


(١) رواه البخاري (٦٠٧٢) واللفظ له، ومسلم (١٠٤٩) عن ابن عباس - رضي الله عنه -.
(٢) ورواه الطبري في "التفسير" (٩/ ١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>