للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هما كذلك يشتدان إذ وطئ ابن لقمان على عظم ناتئ على الطريق، فخر مغشياً عليه، فوثب لقمان فضمه إلى صدره، واستخرج العظم بأسنانه، ثم نظر إليه فذرفت عيناه، فقال: يا أبه! أنت تبكي وأنت تقول: هذا خير لي؟ فكيف يكون هذا خيراً لي ونَفِدَ الطعام والماء، وبقيت أنا وأنت في هذا المكان، فإن ذهبت وتركتني على حالي ذهبت بهم وغم ما بقيت، وإن أقمت معي متنا جميعاً؟ فقال: يا بُنَيَّ! أما بكائي فَرِقَّةُ الوالدين، وأما ما قلت: كيف يكون هذا خياراً لي؟ فلعل ما صُرف عنك أعظم ما ابتليت به، ولعل ما ابتليت به أيسر مما صرف عنك، ثم نظر لقمان أمامه فلم ير ذلك الدخان والسواد، وإذا بشخص أقبل على فرس أبلق عليه ثياب بياض وعمامة بيضاء يمسح الهواء مسحاً، فلم يزل يرمُقُه بعينه حتى كان منه قريبا، فتوارى عنه، ثم صاح به: أنت لقمان؟ قال: نعم، قال: أنت الحكيم؟ قال: كذلك يقال، قال: ما قال لك ابنك؟ قال: يا عبد الله! من أنت؟ أسمع كلامك ولا أرى وجهك، قال: أنا جبريل؛ أمرني ربي بخسف هذه المدينة ومن فيها، فأخبرت أنكما تريدانها، فدعوت ربي أن يحبسكما عني بما شاء، فحبسكما بما ابتلى به ابنك، ولولا ذلك لخسف بكما مع من خسف، ثم مسح جبريل يده على قدم الغلام فاستوى قائماً، ومسح يده على الذي كان فيه الماء فامتلأ، ثم حملهما وحماريهما فرحل بهما كما يرحل الطير، فإذا هما في الدار [التي خرجا منها] (١)


(١) زيادة من "الرضا عن الله بقضائه" لابن أبي الدنيا.

<<  <  ج: ص:  >  >>