فإذا كان الإنسان لا يهيجه النظر إلى أصحاب الأحوال المحمودة والأخلاق الممدوحة لأن يتحلى بها، ولا تحمله على الاتصاف بها، كان أسوأ حالاً من الإبل الأبية، كما أنه إذا هاجه ما يراه من غيره مما يشتهى طبعًا ويذم عقلاً وشرعًا كان كالحمار الذي رأى حمارًا آخر يَبُول فبال، أو بالكلب إذا رأى كلبًا آخر يعدو إلى جِيْفة، فعدا إليها ومال.
وقد تقدم أنهم قالوا في الأمثال: بال حمَار فاستبال أحمرة؛ يضرب للوضيع يأتي أمرًا قبيحاً، فيتبعه أقرانه فيه.
وهذه الجملة كافية لأهل العقول الصافية، والعافية من الله، فنحن نسأله العافية؛ فإنها هي الكافية الشافية.
وهذه فوائد، وتتمات فوائد لهذا الباب الذي ذكرناه في النهي عن التشبه بالبهائم والسباع والهوام.
روى الإمام عبد الله بن المبارك في "الزهد" عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه: أنه دخل المدينة فقال: يا أهل المدينة! ما لي لا أرى عليكم حلاوة الإيمان؟ والذي نفسي بيده لو أن دُبَّ الغابة طَعِمَ الإيمان لرئي عليه حلاوة الإيمان (١).
وروى أبو داود عن جندب رضي الله تعالى عنه قال: جاء أعرابي فأناخ راحلته، ثم عقلها، ثم دخل المسجد وصلَّى خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -