للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويحتمل أنها كانت تعقل هذا القدر في دار الدنيا.

وقال غيره: يجوز أن يكون الاقتصاص هنا على حقيقته، وإن لم يكن لها عقل ولا تمييز؛ لأن الله تعالى لا يُسأل عمَّا يفعل (١).

قلت: ولإجراء القصاص بين البهائم والجمادات حكمة، وهي بيان كمال مظهرية اسم الله العدل، والمقسط، والحكم، وسريع الحساب، وأسرع الحاسبين؛ لأنه إذا كثر المحاسبون ذلك اليوم وانقضى حسابهم في يومٍ واحد، أو بعض يوم كان ذلك أبلغ في كمال مظهريته سبحانه بسرعة الحساب بكمال العدل والحكم، والقدرة والعظمة.

وكذلك ما جاء في السنة من نسبة الخوف والإشفاق من قيام الساعة إلى البهائم والدواب محمول على ما جَبَلها الله تعالى عليه من نفارها مما يضرها، وانقيادها لما ينفعها جِبِلَّة وطبعاً لا عقلاً ومعرفة وإحساساً حيوانياً لا إدراكاً فهمياً، كما نصَّ عليه الدميري وغيره (٢).

وتقدم لنا فيه كلام مستوفى، فليس الإرشاد إلى التشبه بأشراف الحيوانات لكمالاتها، ولكن من جملة ما جبل الله تعالى عليه بعض البهائم والسباع من الغرائز الحيوانية ما يشبه الأخلاق الشريفة الإنسانية، فإذا خلا الإنسان من تلك الأخلاق الشريفة، وعَرِيَ عن تلك الصفات


(١) انظر: "سراج الملوك" للطرطوشي (ص: ١٣٢ - ١٣٣).
(٢) انظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (ص: ٢٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>