وما كان قولهم:{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} إلى آخره، اعتراضاً على الذات العليَّة، ولا انحرافاً عن الاستحسان لأفعالها المرضية، ولكن كان على سبيل الاستفسار والاستخبار عن وجه الحكمة في خَلْقِ خَلْقٍ خطائين مع وجود خَلْقٍ معصومين، وكان اللائق بمقامهم - لأنهم مقربون - أن لا يستفسروا عن وجه الحكمة أيضاً، بل يصمتوا حتى يفيض الله تعالى عليهم من علم وجه الحكمة ما قسمه لهم؛ فإن هذا خلق الحكماء.
كما روى الحاكم، والبيهقي في "شعب الإيمان" عن أنس رضي الله تعالى عنه: أن لقمان كان عند داود عليهما السَّلام وهو يسرد الدِّرع، فجعل يفتله هكذا بيده، فجعل لقمان يتعجب، ويريد أن يسأله، ويمنعه حكمه أن يسأله، فلما فرغ منها عرضها على نفسه، فقال: نِعْمَ درع الحرب هذه، فقال لقمان: الصمت من الحكمة، وقليلٌ فاعله؛ كنت أردت أن أسألك، فسكت حتى لقنتني (١).
(١) رواه الحاكم في "المستدرك" (٣٥٨٢)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٥٠٢٦)