قوله:"إِنْ أَكَلَتْ أَكَلَتْ طَيِّبًا"؛ أي: وكذلك المؤمن لا يأكل إلا طيباً وهو الحلال، وما لا مِنَّة فيه لمخلوق.
"وإِذَا وَضَعَتْ وَضَعَتْ طَيِّبًا"؛ أي: وكذلك المؤمن لا يظهر من أقواله وأفعاله إلا الطيب، وهو الحسن المقبول عند الله تعالى وعند المؤمنين، لا يتكلم إلا بخير، ولا يتحرك إلا في خير، ولا يجد الناس منه إلا خيراً، ولا يقول في أحد إلا خيراً، ولا يظن في مؤمن إلا خيراً، ولا يضره قول المنافقين، ولا ذم من لا يذم بحق، أو من يتكلم بغرض النفس، أو من لا يعرف الحق من الباطل، كما لا يضر النحلة من يذمها باللسع ويعرض عن العسل، والنحلة لا تلسع أذية بل دفعاً للأذى عنها، وكذلك المؤمن لا يضره الانتصار بحق، والمؤمن لا ينوي إلا خيراً، ولا يريد بعمل ولا بقول إلا الخير، ولا يسلك إلا سبيل الخير، كما أن النحلة لا تخرج من بيتها إلا للاجتناء الطيب سالكة سبل ربها ذُلُلاً كما أمرها الله تعالى.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَىْ عُوْدٍ نَخْرٍ لَمْ تكْسِرْهُ"؛ أي: وكذلك المؤمن لين العَرِيكة لا يصيب الناس منه أذى، وإن استضعفهم فمؤنته خفيفة وكُلفته لطيفة، وسيرته نظيفة، ونفسه كريمة عفيفة.
والمراد من الحديث: تهييج الأمة إلى التخلق بهذه الأخلاق التي لا يتحقق الإيمان إلا بها.
وقال ابن الأثير: وجه المشابهة بين المؤمن والنحلة حذق النحل وفطنته، وقلة أذاه وحقارته، ومنفعته وقنوعه، وسعيه في النهار، وتنزهه عن الأقذار، وطيب أكله؛ فإنه لا يأكل من كسب غيره، ونُحُولُه وطاعته