ذلك بأمر من يملك البرية، وهم عباده، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
كما روي: أن ملكين التقيا في السماء - أحدهما صاعد، والآخر هابط - فقال: الهابط للصاعد: أين كنت؟ قال: في الأرض، قال: لماذا بعثت؟ قال: لأسوق حوتا من قرار البحر إلى مدينة كذا ليأكله فلان الكافر، قال: وأنت أين تذهب؟ قال: بعثت لأهريق زيتاً اشتراه فلان العابد بدانق (١).
فلو أراد أحد من البشر أن يتشبه بهذين الملكين، لم يجز له؛ لأن فعلهما دائر في أفعال البشر بين إعانة لعاص، وإضرار ببارِّ، وإنما أمر به الملكان إملاءً للأول، وابتلاءً للثاني.
ومن هذا الفن تعليم الملكين الناسَ السحرَ ببابل امتحاناً، كما قال الله تعالى:{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}[البقرة: ١٠٢].
وروى عبد بن حُميد عن أبي مِجْلَز في قوله تعالى:{إلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ}[آل عمران: ٩٣]، قال: إن إسرائيل هو يعقوب عليه السلام، وكان رجلاً بطيشاً، فلقي ملكاً، فعالجه، فصرعه الملك، ثم
(١) رواه بحشل في "تاريخ واسط" (ص: ٢٠٥) عن سفيان بن عيينة، ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٤٣/ ٤٨٥) عن يوسف بن أسباط.