عليهم كما قبلناها، وإنما وقع الاقتصار في فنون الأمانة وحملها على الإنسان إظهاراً لمزيته وتكريمه وتفضيله، وتنويهاً بمقامه في المعرفة والإدراك.
وقد يقال على القول بأنَّ إبليس أبو الجن: إن النكتة في تكليفهم بذلك: أن إبليس لمَّا عُرِضت الأمانة على الإنسان فحملها، ووصف بأنه كان ظلوماً جهولاً تشفَّى بأمره وشَمَت به، وكلفَّه تعالى وذريته ما كلف به البشر عقوبة وابتلاء.
وحاصله: أنَّ الإنس خاصة، أو هم والجن مكلفون بالطاعة من وجهين، وبقية المخلوقات مأخوذة بالطاعة من وجه واحد، وكل شيء فهو طائع لله حق الطاعة وساجد له حق السجود إلا ما كان من المكلفين، فلا يقضى لهم بأنهم أطاعوا حق الطاعة حتى يقوموا بحق التكليف الذي هو مقتضى الأمانة، والقائمون بذلك قليل، وكل شيء فهو قائم بحق الطاعة التي هي طاعة التسخير والانقياد للقدرة، فصح ما ورد عن بعض كتب الله تعالى: كل شيء أطوع لله من ابن آدم (١).
ومن هنا يظهر لك وجه الحكمة في أن الله تعالى يستشهد على العاصي بجوارحه، وهي شهود عدول بسبب انقيادها لله تعالى وسجودها لها، فيكون محتجًّا عليه بنفسه كما قال الله تعالى:{كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}[الإسراء: ١٤].