ومن بقي في ظلمة الخذلان، وحقت عليه كلمة الحرمان لم يطع الله تعالى من الحيثية المذكورة، فوقعت الإشارة إليه بقوله تعالى:{وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ}[الحج: ١٨].
فهو - وإن أطاع الله تعالى من حيث إنه يسخر لقدرته في يد قضائه وقدره - فإنه لم يحمد على هذه الطاعة حتى يأتي بالطاعة الأخرى التي هي مقتضى الأمانة التي حملها حين عرضت عليه، ولو أباها حين العرض كما أبتها سائر المخلوقات لم تطلب منه هذه الطاعة، ولم يكلف بها.
هذا ما يتعلق بالإنس من الثقلين.
وأما الجن فإن قلنا: إنهم مكلفون بمثل ما كُلِّفنا به - وهو الأصح - فيحتمل أن الله تعالى عرض عليهم الأمانة فقبلوها كما قبلها البشر، ولمَّا لم يقع النص على حملهم للأمانة في القرآن العظيم كما وقع النص فيه على حمل الإنسان لها، وقع الخلاف من العلماء في أنهم مكلفون بمثل ما كلفنا به أم لا، وفي أنهم مثابون ومعاقبون كما أنَّ البشر كذلك أم لا؟
والأول أصح؛ لأنَّ القرآن نص على تكليفهم بما كلفنا به، ولا مانع أن يكون تكليفهم بذلك دليلاً على أنهم قبلوا الأمانة حين عرضت