للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا من الحيثية الثانية فمن غمسه الله تعالى في نور الهداية من جنس البشر أطاع بقدر ما وفقه الله تعالى له فعلاً على سائر الحيوانات والجمادات بهذا الاعتبار، ثم لم يبلغ كمال الطاعة التي تليق بجلال المطاع سبحانه وتعالى، فمن ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اسْتَقِيْمُوْا وَلَنْ تُحْصُوا" (١).

نعم، يعلو قدر الطائع المكلف على قدر طاعته وتقواه لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣].

وحقيقة التقوى هي الطاعة، ولذلك قال أبو رجاء العطاردي رحمه الله تعالى: من سرَّه أن يكون متقياً فليكن أذل من قعود إبل؛ كل من أتى عليه أرغاه. رواه ابن أبي الدنيا (٢).

وإنما ضرب المثل بالقعود لأنه مع كبره وقوته ليس في الحيوانات أطوع منه لمتصرف فيه، كأن لسان حاله يقول: إنه لا يتصرف فيه متصرف إلا بتصريف من خلقه، فطاعته طاعة لمن صرفه فيه.

وكذلك يكون طاعة المؤمن لله تعالى ولمن أمره بطاعتهم من رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأولي الأمر.

وقد تقدم في وصف المؤمن في الحديث أنه كالجمل الأنف؛ إن


(١) تقدم تخريجه.
(٢) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (١/ ٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>