للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: ١٨].

وقد حمل أكثر العلماء السجود في هذه الآيات على الانقياد والتسخير لقدرة الله تعالى، ولكن هذا المعنى غير ظاهر في هذه الآية الأخيرة لأنه قال: {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج: ١٨].

فأشار إلى أن منهم من يسجد، ومنهم من يمتنع، ولو أراد بالسجود التسخير لعمَّم السجود كما عممه في الآيتين المذكورتين قبلها؛ فإن الكافر أيضاً مسخَّر منقاد بيد القدرة والقدر فيما هو فيه، وإنما المراد السجود حقيقة إذ بامتناع المكلف منه يحق عليه الوعيد.

والتحقيق في هذا المقام: أنَّ الله تعالى أمر جميع المخلوقات بالسجود على حسب ما أعطى كل واحد منها من القابلية، وجعل في ابن آدم قابلية الإجابة والطاعة من وجهين:

- من حيث التسخير والانقياد لما خلق بيد القدرة.

- ومن حيث القيام بحق الأمانة التي عرضت عليه، فقبلها وحملها على وفق الأمر والخطاب.

ولم يجعل في غيره من المخلوقات قابلية الإجابة والطاعة إلا من الحيثية الأولى، فأطاع الحيثية الأولى كما أطاع غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>