للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أنَّ الله تبارك وتعالى جعل الإنسان نسخة الوجود ومرآة العوالم، وجعل فيه قابلية لأن يكون صورة لكل شيء، ونسخة من كل مصنوع بحيث يظهر فيه كمال قدرة الله تعالى، كما وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٢١)} [الذاريات: ٢١].

وفضَّله الله تعالى على جميع الحيوانات والجمادات بالعقل والمعرفة، وحسن التصرف في مملكة إنسانيته، ومقتضى ذلك أن يظهر بكل صورة جميلة، ويتخلق بكل صفة كريمة - ولو كان لها نظير في أدون المخلوقات وأدناها - مع الاحتراز عن كل خصلة قبيحة، وصورة شنيعة - وإن كان يوجد لها نظير في بعض الأناسي - والعاقل العارف لا يرضى لنفسه أن يكون من الخير إلا في أعلى طبقاته الممكنة له، ولا من الشر إلا أبعد ما يكون منه، ولا يرى أحداً متصفاً بشيء مدحه الشرع والعقل إلا شاركه فيه، أو شيء ذمَّه الشرع والعقل إلَّا كان أشد الناس اجتناباً له وتباعداً عنه كما قيل: [من المتقارب]

إِذا أَعْجَبَتْكَ خِصالُ امْرِئٍ ... فَكُنْهُ يَكُنْ فِيكَ ما يُعْجِبُكْ

فَلَيْسَ عَلى الْمَجْدِ وَالْمَكْرُماتِ ... إِذا رُمْتَها حاجِبٌ يَحْجُبُكْ (١)

وأقول: [من السريع]


(١) البيتان لأبي العيناء، كما في "محاضرات الأدباء" للراغب الأصبهاني (١/ ٣٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>