وعندي أنَّ توبة الأنبياء عليهم السلام من رؤية عجزهم عن إدراك أعلى مقامات المعرفة التي هي لأجلها خُلِقَ الخلق كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦].
ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:"لاَ أُحْصِيْ ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أثنَيْتَ عَلَىْ نَفْسِكَ"(١).
والأنبياء فمن دونهم يتعرَّفون فيعبدون على قدر معرفتهم، ثم تنتهي معرفتهم إلى العجز عن معرفتهم إياه سبحانه وتعالى، فلسان حالهم يقول: سبحانك! ما عرفناك حقَّ معرفتك، وإذا كان كذلك فما عبدوه حق عبادته، فلسان حالهم يقول: سبحانك! ما عبدناك حق عبادتك.
فهذا الاعتراف منهم يفصِّل العبادات لأنه غاية المعارف، وكان على العبد أن يعرف الله حق معرفته، فيعبده حق عبادته، لكنه عاجز عن ذلك، وقاصر عنه لأنه خلق، {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}[الأنعام: ٩١]، وإنَّما كان كذلك ليكون أبداً في مقام الذلة والافتقار، وطلب المغفرة والعفو والتوبة، فلا يتزحزح عن مقام العبودية أبداً، وذلك هو المطلوب.