وأيضًا فإنَّ إهباط آدم عليه السلام من الجنة لم يكن من باب رفع الستر عنه والعقوبة له، بل من باب التأديب والتكميل، ومثل ذلك إذا كان في أول مرة من الذنب كان أمنع للعبد من الذنب، وأنفع له من الانتهاك، وعادة الله تعالى كثيرًا ما تجري بالستر مراراً على العاصي الذي يراد إمهاله، ثم أَخْذُه آخِرًا لإقامة الحجة عليه والإعذار فيه كما أمهل الله تعالى فرعون وغيرَه، ثم أخذهم، أو على الذي جرى عليه في القضاء والقدر أمور من المعاصي لا بد له من استيفائها، ثم يعود الله عليه بالتوبة، أو يُجْرِي عليه العقوبة في الذنب تمحيصاً وتكفيراً كما في قصة السارق الذي قطعه عمر رضي الله تعالى عنه.
* فائِدَةٌ أُخْرَى:
من أراد أن يستر الله تعالى عليه فليستتر إذا ابتلي بالمعصية، وليستر على أخيه المؤمن ما عسى أن يطلع عليه من عورته؛ فإنَّ ذلك من مقتضيات الستر من الله، كما أنَّ الامتهان بالذنب، وفضيحة المسلمين من مقتضيات فضيحة العبد العاصي.
روى مالك في "الموطأ" عن زيد بن أسلم: أنَّ رجلاً اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسوط؛ وذكر الحديث، وفيه: ثم قال: "أيها النَّاسُ! قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوْا عَنْ حُدُوْدِ اللهِ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ القَاذُوْرَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللهِ؛ فَإِنَّ مَنْ أَبْدَىْ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللهِ"(١).