للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طلعت الشمس من مغربها لا يُقبل من كافر إيمانه ولا توبته ولا عمله إذا أسلم حتى يراها إلا من كان صغيرًا يومئذ؛ فإنه لو أسلم بعد ذلك قُبِل ذلك منه؛ قال: ومن كان مؤمناً مذنباً فتاب من الذنب قبل منه (١).

وهذا أخذه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من ظاهر الآية؛ إذ اقتصر فيها على الإيمان, وهو خلاف ما عليه الجمهور من أنَّه لا فرق في عدم قبول التوبة بعد طلوع الشمس من المغرب وبين الكافر والمسلم، والأحاديث المذكورة ناطقة نص فيها فيجب المصير إليها.

أمَّا الصغير إذا بلغ بعد طلوع الشمس من مغربها، فأسلم، قبل إسلامه قطعًا؛ فإنَّه مفطور على الإِسلام، وقد استصحب الفطرة، وأمَّا إذا كفر بعد البلوغ أو أذنب، فلا يُقبل منه الإِسلام ولا التوبة كغيره.

قال أهل العلم: وإنَّما لا ينفع نفسًا إيمانها ولا توبتها وقت طلوع الشمس من المغرب لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما يخمد منه كل شهوة، ويفتر منه كل قوة، فيصير الناس كلهم لإيقانهم بقرب الساعة كحال من حضره الموت، وغرغر بالروح في انقطاع الدَّواعي إلى المعصية بكل أنواعها وبطلانها من أبدانهم، ومن مات في مثل هذه الحالة لم تقبل توبته.

ثم إنَّ من عاين الآية المذكورة قبل الإيمان والتوبة لمَّا كان علمه بالله ورسوله ووعيده قد صار ضرورياً لم يقبل إيمانه وتوبته وإن امتدت


(١) انظر: "تفسير القرطبي" (٧/ ١٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>