وكذلك المتشبه بالملائكة عليهم السلام فهو منهم؛ أي: في منزلتهم، أو من أوليائهم؛ لأن الملائكة يتولَّون أمر المؤمنين المستقيمين في الدنيا والآخرة بنص القرآن، والمتشبه بالملائكة ملحق بهم في التجرُّد عن الشهوة، أو في الأمن من غوائلها، أو في القربة من الله تعالى، أو نحو ذلك.
فلما كانت النبوة والصحبة والملكية مما لا يمكن الإنسان التوصل إليه مطلقًا في الملكية، وفي هذه الأزمنة في النبوة، والصحبة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - انقطعت بانتقاله إلى الدار الآخرة، لم يحرم الله الإنسان من الحشر مع هؤلاء، واللحاق بهم، فجعل التشبه بهم طريقًا لإلحاقهم بهم، وحشرهم معهم:{فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ}[البقرة: ٢٦٥].
وروى أبو الحسن علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم الهمداني في "بهجة الأسرار" عن محمَّد بن حسان قال: شهدت فُضيل بن عِياض رحمه الله تعالى وجلس إليه سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى فتكلم الفضيل بكلام، وقال فيما تكلم: كنتم معشرَ العلماء سُرُجَ البلاد يُستضاء بكم، فصرتم ظلمة، وكنتم نجوماً يهتدى بكم، فصرتم حيرة، ثم لا يستحيي أحدكم يأخذ من مال هؤلاء، وقد علم من أين هو حتى يسند ظهره ويقول: حدثني فلان عن فلان، وحدثنا فلان عن فلان، فرفع سفيان رأسه -وكان مطأطئًا- فقال: هاه هاه! والله لئن كنا لسنا بصالحين فإنا نحب الصالحين، قال: وسكت الفضيل، فطلب إليه سفيان، فحدثنا بثلاثين حديثاً.