فلا يحفظ الله العبد بما حفظ الله عباده الصالحين إلا بأن يوفقه لما وفقهم إليه، حتى يثبتوا في دار ولايته، محفوفين بعين عنايته.
وروى ابن الجوزي في "صفوته" عن محمَّد بن يزيد بن خُنيس قال: قال وُهَيب بن الورد رحمه الله تعالى: لو أن علماءنا -عفا الله عنا وعنهم - نصحوا الله في عباده، فقالوا: يا عباد الله! اسمعوا ما نخبركم عن نبيكم - صلى الله عليه وسلم -، وصالح سلفكم من الزهد في الدنيا، فاعملوا به، ولا تنظروا إلى أعمالنا هذه الفَسْلَةِ، كانوا نصحوا الله في عباده، ولكنهم يأبون إلا أن يجروا عباد الله إلى فتنتهم، وما هم فيه (١).
ففي هذا القول من وهيب رضي الله تعالى عنه إشارة إلى أن الإرشاد إلى التخلق بأخلاق الصالحين، والاقتداء بهديهم من جملة وظائف العلماء، وأن ذلك منهم لو اتفق عين النصيحة لله، والشفقة على عباده.
وذكر حجة الإِسلام في "الإحياء" عن الحسن البصري رحمه الله تعالى قال: محدثان أحدثا في الإِسلام: رجل ذو رأي سوء يزعم أن الجنة لمن يرى مثل رأيه، ومترف يعبد الدنيا، لها يغضب، ولها يرضى، وإياها يطلب، فارفضوهما إلى النار؛ إن رجلًا أصبح في هذه الدنيا بين مترف يدعوه إلى دنياه، وصاحب هوى يدعوه إلى هواه -وقد عصمه الله منهما - يجيء إلى السلف الصالح يسأل عن فعالهم، ويقتفي آثارهم،
(١) ذكره ابن الجوزي في "صفة الصفوة" (٢/ ٢٢٢). ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٨/ ١٤١).