وتعالى؛ فمن صرفه في الأعمال الصالحة الباقية عند الله تعالى فهو الصالح الرشيد، ومن ضيعه في البطالات، أو صرفه في غير وجوه الخيرات فقد أفسده؛ إما بتضييعه في غير فائدة ولا عائدة، وإما بصرفه فيما تبقى عليه تبعته، وتذهب عنه لذته.
وكما يبقى ثواب العمل الصالح يبقى عقاب العمل السيئ، كما قال تعالى: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (١٢٧)} [طه: ١٢٧]، فهو غير صالح، ولا رشيد، ويأتي يوم القيامة مفلسا معدماً، ولا يأمَن أن يقول تأسفاً وتندماً: {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ (٥٦)} [الزمر: ٥٦].
وقد ضرب الله تعالى هذا المثال في كتابه العزيز، فقال في حق المفسدين: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)} [البقرة: ١٦]، وذلك بعد أن شهد عليهم بالإفساد، ونفى الإصلاح عنهم بقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (١٢)} [البقرة: ١١ - ١٢]، وقال تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٦٤)} [المائدة: ٦٤].
فالمفسد متعرض لمقت الله تعالى وطرده عن قربه، وعزله عن حبه، ولذلك قال تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا (٥٦)} [الأعراف: ٥٦].
وأول ما يلزمك عمارة أرض نفسك بالإصلاح، وتنزيهها عن الإفساد، وإذا كنت لأرضك مفسداً، كنت لغيرها أكثر فساداً.
وقال تعالى: {وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦)} [الأعراف: ٨٦].