حق هؤلاء ليست خفية عنهم، بخلافها في حق غيرهم ممن هو غافل عنها لعدم احتياجه إليها.
وقد تبين لك بذلك أن الأولياء ليسوا بأخفياء في أنفسهم، ولا محجوبين، وإنما الناس هم المحجوبون عنهم بغفلتهم، وعدم تقصدهم، وأما من طلب الله وصدق في طلبه، وقصدهم في الدلالة عليه، وصدق في قصده إياهم، فإنهم لا يختفون عنه ولا يحجب هو عنهم.
ولما طلب سليمان بن عبد الملك أبا حازم سلمة بن دينار فكلمه، ودعاه إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة حتى أثر كلامه في سليمان، وكان الزهريّ حاضرًا، قال الزهريّ: إنَّه لجاري ثلاثين سنة وما كلمته قط، وفي رواية: وما علمت أنه يحسن مثل هذا، قال له أبو حازم: إنكَ نسيت الله فنسيتني، ولو أحببتَ الله لأحببتني، قال الزهريّ: أتشتمني؟ قال أبو حازم: بل أنتَ شتمت نفسك؛ أما علمت أنَّ للجار على جاره حقًا؟
والقصة رواها أبو نعيم، وابن الجوزي، وغيرهما (١).
فأشار أبو حازم إلى أنَّ أهل ولاية الله تعالى المشتغلين به لا يعرفهم إلا من أحبَّ الله تعالى؛ لأنَّ من أحبَّهُ أحبَّ أولياءَه، وطلبهم فوجدهم،
(١) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٣/ ٢٣٧)، وابن الجوزي في "صفة الصفوة" (٢/ ١٦٠).