فاعلم أن العبد لا يكون له اختيار في تحصيل الشهادة بنفسه أصلًا إلا بتقديم نفسه للجهاد فقط، ثم إن شاء الله تعالى قُتِلَ في سبيله، وإن شاء سَلِمَ، وحصلَ على أجر الجهاد، وهما الحسنيان.
نعم، إذا تقدم إلى الجهاد بنية طلب القتل في سبيل الله تعالى وهو مطمئن النفس على ذلك لو حصل كُتِبَ له ما نوى، فإن قُتِلَ فذاك، وإلا كانت سلامته صدقةً عليه من الله تعالى.
فلا طريق إلى التشبه بالشهداء إلا تقديم النفس إلى الجهاد، أو طلب الشهادة من الله تعالى، وتوطين النفس على القتل.
وفي "معجم الطبراني الأوسط" بإسناد صحيح: أنَّ عمر - رضي الله عنه - قال يوم أُحد لأخيه: خذ درعي يا أخي، قال: إني أريد من الشهادة مثل الذي تريد، فتركاها جميعًا (١).
وقد وقعت الإشارة إلى ذلك بقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة: ١١١].
فانظر كيف فسر الله تعالى بيع المؤمنين أنفسهم إياه بمقاتلتهم الكفار المترتب عليها؛ إمَّا قتلُ المؤمن أحدًا من الكفار، وإما قتله هو بسبب