فلا اعتبار بطلاقة اللسان، وفصاحة الكلام، والتكلم على الأسرار والأحوال حتى يصحبه الخوف.
ومن هذا القبيل حكماء الفلاسفة، والبراهمة، والشعراء، وأمثالهم ممن تجد كلامه مشحوناً بالحكم، وهو منحلُّ الاعتقاد، آمن من المكر؛ فإنهم مستدرجون، وليسوا بعارفين ولا صديقين لأنهم لو كانوا عارفين صديقين لصدقوا الله ورسوله فيما أدى نظرهم القاصر إلى مخالفتهما فيه.
قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ}[الحديد: ١٩]؛ أي: لا غيرهم؛ أي: لا يكون الصديقون إلا ممن آمن بالله ورسله؛ أي: صدق بهم وصدَّقهم فيما قالوا.
وأما من تكرر منه الصدق بحيث لم يحفظ عنه ولا كذبة، ثم لم يؤمن بالله ورسوله، فإنه لا يكون صديقاً لأنه كذب على الله تعالى في نفي وجوده، أو نفي وحدانيته، وعلى رسوله في نفي رسالته أو نبوته، أو في شيء مما جاء به، فكل صدق وقع منه في غير ذلك هباء.
بل من صدق في الإيمان بالله تعالى ورسله، ودام على ذلك، فقد يسمى صديقاً إما بمعنى صادق، وإما من حيث إنه تكرر منه هذا الصدق ودام عليه، ومن ثم قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: كلكم صديق وشهيد، ثم قرأ هذه الآية:{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ}[الحديد: ١٩]. رواه ابن أبي حاتم (١).