الفهم الثاني:{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}[الواقعة: ١٠]؛ أي: الذين تكرر منهم السبق إلى أعمال البر، وخصال الخير حتى صار ذلك لهم عادة وسنة؛ أولئك الذين يستحقون من فضل الله تعالى أن يقربهم من حظيرة قدسه، ويحادث أسرارهم بمناجاة أنسه.
وعلى هذا: فالسبق إلى الطاعة - ويعبر عنه بالتقرب - يكون سبباً للتقريب؛ كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي رواه البخاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَال: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِليَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَي مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِل حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَإِنْ اسْتَعَاذَني لأُعِيْذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ"(١).
فتقرب العبد إلى الله تعالى بالفرائض، ثم بالنوافل هو السبب في تقريب الله تعالى للعبد، وإن كان تقربه إليه بسابقة الحسنى التي سبقت له منه، فإذا كان العبد مبرزاً في أفعال الخير، وتكررت منه أفعال القربة، واستقام على ذلك، صار حينئذ في مقام الأحباب المقربين، فقد كان متقرباً محباً، ثم صار مقرباً حِبًّا فالتقرب على ذلك مقام الأبرار، والتقريب تحفة المصطفين الأخيار.