للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبعدتهم عنه، وطول العمر لو حصل لهم لم ينفعهم، ولم يزحزحهم عن البعد والتعذيب.

وإنما قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يتَمَنَّيَن أَحَدُكُم الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بهِ" (١) من حيث إنَّ هذا التمني ليس الباعث عليه الشوق إلى لقاء الله، ولا القرب منه، وإنما هو التباعد عما لا يلائم النفس من الضر الذي يصيبه في الدنيا، ولعل ذلك الضر يكون سبباً في القرب من الله، ورفع المنزلة عنده.

وأمَّا الطمأنينة بذكر الله تعالى فلأنها ناشئة عن الأنس به، والأنس لا يتحقق إلا بتحقق القرب.

روى ابن جهضم عن أبي سعيد الخزَّاز قال: حدثني بعض العلماء قال: بينما عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا عليهم السلام يسيران جرى ذكر شيء من العلم بينهما، فصاح يحى وقال: إن لله عباداً إذا ذكروا عظمة الله طاشت عقولهم، وكادت أن تتقطع أوصالهم.

فقال عيسى: إنَّ لله عباداً ألطف من هؤلاء، وأسكن؛ إذا ذكروا الله لم يصبهم ذلك لأنهم معه يسمعون كلامه من قرب لا من بعد، فبم يطيشون؟

فقال يحيى: لقد سقيتني بكأس أرويتني، وأزويت بعض خيري.

وعن الفتح بن شخرف رحمه الله قال: رأيت سعدون قائماً على حلقة ذي النون رحمة الله عليهما، وعليه جبة صوفٍ ضيقة الكمين، على


(١) رواه البخاري (٥٩٩٠)، ومسلم (٢٦٨٠) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>