قلت: كذلك التحقيق أن أهل هذه الأحوال الثلاث كلهم محمودون لأنهم كلهم في طاعة الله، وهم متصلون بالله؛ الأولون يخافون عذاب الله، والذين يلونهم يرجون رحمته، والآخرون يحبهم ويحبونه.
والخائف من النار مستجير بالله منها، مستعيذ به، وناهيك بمن هو في جوار الله تعالى، وقد أوصى بالجار.
ومن اشتاق إلى الجنة إنما يطلبها ويرجوها من الله تعالى، وقد قالوا: من قصد إلينا وجب حقه علينا.
ومن أحب الله أحبه الله؛ إذ ما جزاء من يحب إلا أن يُحب، غير أنَّ هؤلاء أعظم اتصالاً من الذين قبلهم، ثم قال عيسى عليه السلام عنهم: أولئك المقربون، أولئك المقربون.
وروى ابن جهضم، وغيره عن أحمد بن أبي الحواري قال: سأل محمود أبا سليمان الداراني - رضي الله عنه - وأنا حاضر: ما أقرب ما يتقرب به إلى الله؟ فبكى أبو سليمان، ثم قال: مثلي يسأل عن هذا؟ أقرب ما تقرب به إليه أن يطلع على قلبك وأنت لا تريد من الدنيا والآخرة إلا إياه (١).
وروى ابن باكُويه الشيرازي في "الألقاب"، وغيره عن أبي القاسم الجنيد رحمه الله قال: حججت على الوحدة، فجاورت بمكة، فكنت إذا جن الليل دخلت الطواف، فإذا بجارية تطوف وتقول:[من الطويل]
(١) ورواه ابن الجوزي في "ذم الهوى" (ص: ٧٧)، ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (١٠/ ٨٤) مختصراً.