للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: فعبر عن جملة نعيم الجنان بالشراب، كما عبر عن العلوم والأعمال بالكتاب، فقال: {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين: ١٨]، ثم قال: {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: ٢١].

فما حسن عملهم (١)، ولا صفت أعمالهم، ولا علا كتابهم إلا بشهادة المقربين لما قرب كتابهم منهم، وحضروه، كذلك كانوا في الدنيا تحسن علومهم بعلومهم، وترتفع أعمالهم بمشاهدتهم، ويجدون المزيد في مزيدهم (٢) بقربهم منهم (٣). انتهى.

وفيه سياق الآيتين على نسق واحد.

والمعنى أنَّ الأبرار لما كانوا يأخذون في الدنيا بسبب من أنفاس المقربين، وحبل من أعمالهم، غير أنهم لم يستقيموا كاستقامتهم؛ إذ لم يخلوا من تخليط ما في أعمالهم، نفعهم هذا الاتصال بالمقربين يوم الدين، فشهدوا أعمالهم، وزكوهم عند الله تعالى، وكانت شهادتهم لهم شفاعة لهم، ثم كانت عاقبتهم أن مزج شرابهم بشرابهم، وطاب نعيمهم بمزاح نعيمهم، ولو أخلصوا في حبهم في دار الدنيا؛ أعني: المحبة الخاصة التي تنشأ عن التعارف، وتثمر التآلف، لألحقهم الله بهم في كل ما لهم بدليل الحديث المتقدم: "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ"؛ فافهم!


(١) في "قوت القلوب": "علمهم" بدل "عملهم".
(٢) في "قوت القلوب": "في نفوسهما بدل "في مزيدهم".
(٣) انظر: "قوت القلوب" لأبي طالب المكي (٢/ ٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>