للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الله تعالى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: ١٧].

وقال: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} [النجم: ٤].

فإن فرض أنه حصل من النبي - صلى الله عليه وسلم - ما قد يحول بينه وبين الإدراك من أحوال البشر - كالنسيان -، فإن ذلك يكون في غير وقت التبليغ، بل هو - صلى الله عليه وسلم - في نفس تلك الأحوال مقيم على وظيفة التشريع، والتبليغ، ولذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أَنا لا أَنْسَىْ، وَلَكِنْ أُنسًّى لأُشَرِّعَ (١) "، وفي رواية: "لأَسُنَّ". رواه الإمام مالك، وغيره (٢).

وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: تكتب كل شيء ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشر، فيتكلم في الغضب والرضى، فأمسكت عن الكتاب، وذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأومى بأصبعه إلى فيه، وقال لي: "اكْتُبْ، فَوَالَّذِيْ نَفْسِيْ بِيَدهِ ما يَخْرُجُ مِنْهُ إِلاَّ حَقٌّ" (٣)؛ يعني: سواء


= (٤٢٣) بلفظ: "والله لأُبْصِرُ من وَرَائِي كما أُبْصِرُ من بَيْنِ يَدَيَّ".
(١) في "أ": "أشرع".
(٢) رواه الإمام مالك "في الموطأ" (١/ ١٠٠).
قال ابن عبد البر في "التمهيد" (٢٤/ ٣٧٥): هذا الحديث بهذا اللفظ لا أعلمه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بوجه من الوجوه مسنداً ولا مقطوعاً من غير هذا الوجه والله أعلم، وهو أحد الأحاديث الأربعة في الموطأ التي لا توجد في غيره مسندة ولا مرسلة والله أعلم، ومعناه صحيح في الأصول.
(٣) رواه أبو داود (٣٦٤٦)، والإمام أحمد في "المسند" (٢/ ١٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>