ما كان من أحوالك من أحوال الأبرار بحال أشرف منه وأكمل من أحوال الأخيار، أما تبديل الأحوال القبيحة بالأحوال الحسنة، فإنه مشروط في أصل التوبة وأعمال البر.
ومما يؤيد القول الأول من هذه الأقوال الثلاثة: ما رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: إنَّ الأنبياء عليهم السلام كانوا أوتاد الأرض، فلما انقطعت النبوة أبدل الله مكانهم قوماً من أمة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - قال لهم الأبدال، لم يَفْضُلوا الناس بكثرة صومٍ ولا صلاةٍ ولا تسبيح، ولكن بحسن الخلق وبصدق الورع، وحسن النية وسلامة قلوبهم لجميع المسلمين (١).
قلت: في كلام أبي الدرداء - رضي الله عنه - إيماء إلى القول الثالث -أيضًا- فإن حسن الخلق بدل عن سوء الخلق، وصدق الورع بدل عن ارتكاب الشُّبَهِ، والتخليط وحسن النية بدل عن العمل بلا قصد أو بالقصد السوء، وسلامة القلوب عن الحقد وإضمار السوء، فإن الاتصاف بهذه الأخلاق تدل عن الانفكاك عن أضدادها.
ويجوز أن تكون تسميتهم أبدالاً للوجهين بل للثلاثة المَحْكِيَّة في الأقوال الثلاثة.
وفي كلام أبي الدرداء -أيضًا- أن الأوتاد هم الأبدال.
واشتهر في عرف الصوفية أن الأوتاد من الأبرار وهم ثلاث مئة،
(١) رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (١/ ٢٦٢).