فليس فيه كبير تكريم، وإلا لم يحرم على النبي - صلى الله عليه وسلم - أشياء لم تحرم على أمته، بل في تقليل الشرائع زيادة في نكال من عصى ولم يمتثل، وخصوصاً إذا اعتبر حاله مع حال من ابتلي بالشرائع الكبيرة فامتثل وأطاع.
وقريب من قصة إدريس في تقليل الشريعة ما رواه الدينوري عن عبد الله بن عائذ رحمه الله تعالى أن نبياً من الأنبياء عليهم السلام بعث إلى قوم فقال لهم: قوموا من الشمس إلى الظل يغفرْ لكم، فأبوا (١).
ثم إني تذكرت ما يدل على أن الناس في زمان إدريس عليه السلام كانوا مكلفين بتحريم القتل، والزنا، وشرب الخمر، وغير ذلك من الفساد، وهو قصة هاروت وماروت، وقد تقدمت قصتهما في التشبه بالملائكة عليهم السلام.
وروى الثعلبي، وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه تلا هذه الآية: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}[الأحزاب: ٣٣]: ما بين نوح وإدريس عليهما السَّلام، وكان ألف سنة، وإن بطنين من ولد آدم أحدهما كان يسكن السهل، والآخر الجبل، وكان رجال الجبل صِباحاً، وفي النساء دَمامة، وهم أولاد قابيل بن آدم، وكان نساء السهل صِباحا، وفي الرجال دمامة، وهم أولاد شيث عليه السلام، وإن إبليس أتى رجلًا من أهل السهل في صورة غلام، فآجر
(١) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (ص: ١٥).