نفسه منه، فكان يخدمه، واتخذ إبليس شيئًا مثل ما يزمر به الرعاء، فجاء بصوت لم يسمع الناس مثله قط، فبلغ ذلك من حولهم، فانتابوهم ليسمعوا، فاتخذوه عيدًا يجتمعون إليه في السنة، فتتبرج النساء للرجال.
وإن رجلًا من الجبل هجم عليهم وهم في عيدهم، فرأى النساء وصباحتهن، فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك، فتحولوا إليهم، فنزلوا معهم، فظهرت الفاحشة فيهم، فهو قول الله تعالى:{وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}[الأحزاب: ٣٣].
وكان آدم عليه السلام أوصى ابنه شيث أن لا يناكح بين أولاده وأولاد قابيل، فلما تحول أولاد قابيل وهم أهل الجبل إلى أولاد شيث حملهم حسنُ نساءِ أولادِ شيث على طلب المناكحة، فمنعهم بعض أولاد شيث من ذلك عملًا بوصية آدم، فأخذه أولاد قابيل، وجعلوه في مغارة، وبنوا عليه حائطاً، ثم تناكح الطائفتان، وتناسلوا حتَّى ملئوا الأرض، وكثر الفساد فيهم، فبعث الله تعالى إليهم نوحا عليه السَّلام يدعوهم إلى الله تعالى، وينذرهم بأسه (١).
وروى عبد بن حميد، وابن المنذر عن الحكم رحمه الله تعالى في قوله عز وجل:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا}[الشورى: ١٣]؛ قال: جاء نوح عليه الصلاة والسلام بالشريعة بتحريم الأمهات،
(١) رواه الثعلبي في "التفسير" (٨/ ٣٥)، والحاكم في "المستدرك" (٤٠١٣).