قال: أما إني ما بارزت أحداً إلا انتصفت منه، ولكن أخبروني بأشجع الناس.
قالوا: لا نعلم، فمن؟
قال: أبو بكر رضي الله تعالى عنه، لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأخذته قريش بهذا يجؤه، وهذا يثلته، وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلهاً واحداً؟
قال: فو الله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر رضي الله تعالى عنه يضرب هذا، ويثلثل هذا، وهو يقول: ويلكم {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ}[غافر: ٢٨].
ثم رفع علي رضي الله تعالى عنه بردة كانت عليه، فبكى حتى اخضلَّت لحيته، ثم قال: أنشدكم أمؤمن آل فرعون خير أَمْ أبو بكر؟
فسكت القوم، فقال: ألا تجيبون؟ فو الله لساعة من أبي بكر رضي الله تعالى عنه خير من مؤمن آل فرعون؛ ذاك رجل يكتم إيمانه، وهذا رجل أعلن إيمانه. رواه البزار، وأبو نعيم في "الصحابة"(١).
واعلم أن مؤمن آل فرعون قد عرض رحمه الله تعالى لقومه النصيحة تعريضاً كالصريح، فحذرهم من الإسراف والارتياب، وذكرهم بنعمة الله تعالى وما آتاهم من الملك، وخوفهم من سطوته، وذكَّرهم بما صنع في الأمم السابقة، وبأن الدنيا متاع يزول، وأن الآخرة هي دار القرار،
(١) رواه أبو نعيم في "فضائل الخلفاء الراشدين" (ص: ٣٦٥). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٩/ ٤٧): رواه البزار، وفيه من لم أعرفه.