للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

درجة العقل، أو الانسلاخ منه بالكلية فيكون من جملة الحمقى والمجانين، وإما أن يكون الباعث عليه الفاقة والإضاقة، أو طلب مساواة الناس في الدنيا والثراء، فيرضى بالتشبه بالحمقى والْمَساخر ليثرى ويتسع رزقه، ويؤثر ذلك على العقل، وقد وقع ذلك في الناس كثيرًا حتى قيل: [من مجزوء الكامل المرفّل]

والعَيْشِ خَيْرٌ فِي خِلا ... لِ النَّوكِ (١) مِمَّنْ عاشَ كَدَّا (٢)

وروى الدينوري عن الأصمعي قال: سأل أعرابي عن رجل فقالوا: أحمق مرزوق، فقال: ذاك والله الكامل (٣).

فلا يستفزنك شيء من ذلك على أن تخرج عن السمت اللائق بك، والزي الذي تزينت به أولاً فتكون أحمق في نفس الأمر، وفي أعين الناس يُضرب المثل بك، ألا ترى أن العالم لا ينبغي له أن يتزيا بزي الأجناد، ولا بزي السُّوقة والغوغاء؟ ولا العامي ينبغي له أن يتخلق بخلق العلماء أو الأجناد؟ وليس العالم ولا لذي الهيئة أن يأكل في الأسواق إلا أن يعتاد عدم التقيد بذلك.

وقد سَفَّه قضاة الإسلام وشيوخ العلم أنفسهم إلا من حفظ الله عليهم عقولهم فاعتادوا الآن دخول بيوت القهوة بحيث يتساوى


(١) النوك: الحمق.
(٢) البيت للحارث بن حلزة، كما "الأغاني" للأصبهاني (١١/ ٥٢).
(٣) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (ص: ٣٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>