للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك من يحاكي المجانين ليضحك الجلساء ويعللهم، وهذا حرام أيضًا لأنه غيبة؛ فإن الغيبة ذكرك أخاك بما يكره، ولو كان المجنون عاقلاً يكره ذلك منك.

ولما ذكر العلماء المواضع التي تباح فيها الغيبة لم يذكروا غيبة المجنون منها، فبقيت على أصلها من التحريم، والتمسخر لإضحاك الناس حرام.

وروى ابن أبي الدنيا - بسند جيد - عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لِيُضْحِكَ بِها جُلَساءَهُ يَهْوِي بِها أَبْعَدَ مِنَ الثُّرَيَّا" (١).

وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنه في قوله تعالى: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً} [الكهف: ٤٩] الآية: الصغيرة: التبسم بالاستهزاء بالمؤمن، والكبيرة: القهقهة بذلك (٢).

قال الغزالي: وهو إشارة إلى أن الضحك على الناس من الجرائم والذنوب (٣).

نعم، قد يحتاج العاقل إلى مشاكلة المجنون ومقابلته بمثل عمله


(١) رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت وآداب اللسان" (ص: ٧٨). وحسن العراقي إسناده في "تخريج أحاديث الإحياء" (٢/ ٧٧٥). وأصله في الصحيحين.
(٢) رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت وآداب اللسان" (ص: ١٧٠).
(٣) انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (٣/ ١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>