للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان ضرب رأسه عبثاً وجنوناً، فيضرب رأسه تأديباً وزجراً له عن جنونه، أو يسبه المجنون ويشتمه فينتهره ويزجره، فهذا غير مذموم لصحة القصد فيه، ومتى صح القصد في المشاكلة أبيحت.

ومن هذا القبيل ما أسنده ابن السبكي في "طبقاته" عن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي - رضي الله عنه - يقول: [الطويل]

وَأَنْزَلَنِي طُولُ النَّوَى دارَ غُرْبَةٍ ... يُجاوِرُني مَنْ لَيْسَ مِثْلِي يُشاكِلُهْ

أُحامِقُهُ حَتَّى يُقالَ: سَجِيَّةٌ ... وَلَوْ كانَ ذا عَقْلٍ لَكُنْتُ أُعاقِلُهْ (١)

وتارة يكون التشبه بالمجانين مذموماً لما يعود على نفس المتشبه، وهذا يختلف باختلاف الأغراض.

وتارة أن يكون عليه حقوق شرعية وهو قادر على أدائها، فيتجنن لئلا يطالب بها، فهذا حرام لأنه مِنْ أكل أموال الناس بالباطل، فأما لو أريد أن يقهره على أخذ ماله منه، أو يسطي عليه في عرضه أو في حريمه، أو حمل على فتنة في دينه، فإن أمكنه التخلص من ذلك بحيلة غير التجانن فهو أولى، وإلا فلا يكره في حقه التحامق والتجانن كما وقع لمِسْعر بن كدام - رحمه الله تعالى - لما دعاه السلطان إلى ولاية القضاء تحامق عليه، فتركه ولم يوله، وقال: هذا لا يصلح للقضاء.

ووقع مثل ذلك لسفيان الثوري.


(١) انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (١/ ٣٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>