للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والذي رأيته واستقريته طول عمري، ولا أراه إلا كذلك أبدًا أنه ما صان ذو جمال جماله، ولا ذو مال ماله، ولا ذو نعمة نعمته في شبابهم، إلا حفظ الله تعالى عليهم ما أنعم به عليهم في كبرهم وشيخوختهم، ولا فرط ذو جمال في حفظ جماله حتى امتهن جماله بالفسق والفاحشة إلا أجرم في كبره، وأظلم وجهه، وقبحت هيئته، ولا ذو مال في حفظ ماله بمنع زكاته والحقوق الشرعية عليه فيه إلا سلبه آخراً، أو كان سبباً لنزول البلاء عليه بسببه ورؤيته الآفات فيه، وكذلك سائر النعم.

ولقد صدق عمر رضي الله تعالى عنه في قوله: من اتقى الله وَقَاه؛ كما رواه ابن أبي الدنيا، وغيره (١).

وروى ابن أبي شيبة عن أبي حازم رحمه الله تعالى قال: قالت أم الدرداء لأبي الدرداء رضي الله تعالى عنهما: يجيء الشيخ فيصلي، ويجيء الشاب فلا يصلي.

فقال أبو الدرداء: كُلٌّ في ثواب أُعِدَّ له (٢).

فينبغي لمن حصل منه تقصير وتفريط في أوائل عمره أن لا يفرط في أواخره وبقيته؛ إذ لا قيمة لما بقي من عمره كما قيل: [من البسيط]

بَقِيَّةُ العُمْرِ عِنْدِي ما لَها ثَمَنُ ... وَإِنْ مَضى غَيْر مَحْمُودٍ مِنَ الزَّمَنِ

يَسْتَدْرِكُ الْمَرْءُ فِيها ما أَفاتَ ويُحْـ ... ـيِي ما أَماتَ وَيَمْحُو السُّوْءَ [بالحسنِ] (*) (٣)


(١) ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٤٤/ ٣٥٦).
(٢) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٤٥٨٩).
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفتين سقط من المطبوع
(٣) البيتان لأبي الفتح البستي، كما في "زهر الآداب" لابن رشيق (١/ ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>