للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حكى لي رجل كان ترجماناً عند قاضي القسمة، وهو قاضي اليتامى، وكان يأخذ على قسمته من أموال اليتامى شيئاً معلوماً، قال: فنمت ليلة فرأيت كأنه وضع بين يدي طعام، فمددت يدي وتناولت منه، فإذا يد صبي صغير فألقيتها، ثم تناولت غيرها فإذا رجل صبي صغير، وهكذا كما أخذت شيئاً وجدته عضو آدمي صغير، فقلت لأهلي: ما هذا؟

فقالوا: هذا اللحم الذي جئتنا به طبخناه لك.

قال: فلما استيقظت تركت الترجمة.

ثم رأيته بعد ذلك عاد إليها، ولم يصبر عنها.

وقلت: [من المتقارب]

أَلا رُبَّ آكِلِ مالِ يَتِيمٍ ... وَأَمْثالِهِ تابَ عَنْهُ زَمانا

وَعادَ إِلَى مِثْلِ ما تابَ مِنْهُ ... وَقَدْ نَقَضَ الْعَهْدَ مِنْهُ وَمانا

فَلا تَعْجَبُوا مِنْهُ إِنَّ النُّفو ... سَ تَطْلُبُ ما مُنْعَتْ كَيْفَ كانا

كَمَا أُوْلِعَتْ بِالوَقِيذ الأنوقُ ... وَالْكَلْبُ لَوْ طُرِدا ما اسْتكانا

تَلَذُّ الْخَبائِثَ نَفْسُ الْخَبِيثِ ... فَاعْتَبِرِ الْجُعَلَ الْمُسْتَهانا

وما أشبه كل مال اليتيم ونحوه بالغُول، والسعلاة، والهر، والكلب، والسبع التي تأكل من لحوم الناس.

واعلم أن آكل مال اليتيم، والعالم الذي يشري بعلمه ثمناً قليلاً، والغني الذي يسأل الناس، يشبهون النعامة أيضاً؛ فإنها تأكل الجمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>