للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأوا أن المعمور من الأرض لا يخلو من ذاكر لله تعالى من البشر، فلزم بعض العارفين السياحة صدقة منهم على البَيداء، وسواحل البحار، وبطون الأودية، وقُلَلِ الجبال والشِّعاب التي لا يطرقها إلا أمثالهم (١). انتهى.

ثم إن مباهاة الله تعالى ملائكته بالذاكرين تارة تكون بأنفسهم، وتارة بمجلسهم، وتارة بهما، وحديث معاوية يدل على المعاني الثلاثة، وحديث ابن رواحة يدل على المعنى الثاني فقط.

وروى ابن أبي شيبة، عن عبد الرَّحمن بن سابط قال: دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حلقة وهم يذكرون الله، فقال: "إِنَّ اللهَ لَيُباهِيْ بِمَجْلِسِكُمْ أَهْلَ السَّماء" (٢).

ومجالس الذكر شاملة لمجالس العلم، بل هي أفضلها.

وقد روى الخطيب في "شرف أصحاب الحديث" عن الوليد بن مسلم قال: شيَّعَنا الأوزاعيُّ رحمه الله تعالى وقتَ انصرافِنا من عنده، فأبعد في تشييعنا حتى مشى معنا فرسخين أو ثلاثة، فقلنا له: أيها الشيخ! يصعب عليك المشي على كبر السن، قال: امشوا واسكتوا، لو علمت أن لله تعالى طبقة أو قوماً يباهي الله بهم، أو أفضل منكم لمشيت معهم وشيعتهم، ولكنكم أفضل الناس (٣).


(١) انظر: "الفتوحات المكية" لابن العربي (٢/ ٣٥).
(٢) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٥٠٦٩).
(٣) رواه الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" (ص: ٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>