وروى ابن أبي شيبة عن سالم بن أبي الجعد قال: مَرَّ ثوران على أبي الدرداء - رضي الله عنه - وهما يعملان، فقام أحدهما فقام الآخر، فقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: إنَّ في هذا لمعتبراً (١).
قلت: ووجه الاعتبار أنَّ الأعمال التي لا تتأتى إلا من اثنين يحتاج مريدها إلى تحصيل رفيق صالح موافق حركته وسكونه، وإلاَّ استضر به، وفات العمل أو نقص ولم يكن محكماً.
ومن هنا لا يقرن أهل الإتقان من أهل الحرث بين ثور وأضعف منه؛ لأنَّ الضعيف يقصر عن القوي فيتعبه ويوهِنه، والقوي يكلف الضعيف مثل حركته ونشاطه فيقتله، فينبغي التعادل بينهما قوةً وضعفاً.
ولذلك كانت شركة الأبدان باطلة؛ لأن عمل الشريكين لا يكاد أن يتساوى، بل لا يتمحض تساويه، وربما زاد أحدهما في العمل على رفيقه، أو قصر عنه، فيؤدي ذلك للجهل بمقدار استحقاق كل منهما مما يكتسبانه.
ومن وجوه الاعتبار ما أشار إليه أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه أنَّ الأعمال المشتركة إن كانت من أعمال الخير كالتحابِّ في الله، والسلام، والمصافحة، والزيارة، والعيادة، والنصيحة، ومعاونة الضعفاء في أعمالهم، وحضور الجمعة والجماعة، كان الاجتماع لتحصيلها لازماً للعبد الصالح.