للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنذ زمان قديم قال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى: إن الصَّالحين فيما مضى كانت نفوسهم تواتيهم على الخير عفواً، وإن أنفسنا لا تكاد تواتينا إلا على كرهٍ، فينبغي لنا أن نُكْرِهَهَا. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "محاسبة النفس" (١).

وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: ٦٩] على القول (٢) بأن المراد في الآية مجاهدة النفس؛ لأنه أفضل الجهاد؛ أي: والذين جاهدوا أنفسهم في مرضاتنا لنهدينهم سبلنا التي تُوصِل عبادنا الصالحين إلينا؛ فعليك بحمل النفس على أخلاق الصَّالحين وأعمالهم (٣).

وقد روى الأستاذ أبو القاسم القيشري رحمه الله في "رسالته" عن إبراهيم بن أدهم - رحمه الله تعالى، ورضي عنه - قال: لن ينال


(١) رواه ابن أبي الدنيا في "محاسبة النفس" (ص: ١٥٠).
(٢) انظر الأقوال في تفسير الآية في "تفسير القرطبي" (١٣/ ٣٦٤).
(٣) قال الإمام ابن القيم في "الفوائد" (ص: ٥٩): علق سبحانه الهداية بالجهاد، فأكملُ الناس هداية أعظمهم جهادًا، وأفرض الجهاد: جهاد النفس، وجهاد الهوى، وجهاد الشيطان، وجهاد الدنيا، فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سبل رضاه، الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد، قال الجنيد: والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة، لنهدينهم سبل الإخلاص، ولا يتمكن من جهاد عدوه في الظاهر إلا من جاهد هذه الأعداء باطنًا، فمن نصر عليها نصر على عدوه، ومن نصرت عليه نصر عليه عدوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>