للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ عِلْمَ الْحَدِيثِ مِنْ أَجَلَّ الْعُلُومِ قَدْرًا وَأَعْظَمِهَا نَفْعًا، لأَنَّ مَوْضُوعَهُ سُنَنُ (١) الرَّسُولِ وَآثَارُهُ الْقَوْلِيَّةُ وَالْفِعْلِيَّةُ، وَفِى هذِهِ خَيْرُ النَّاسِ وَهِدَايَتُهُمْ (٢) وَفَوْزُهُمْ وَسَعَادَتُهُمْ (٣). فَالْمُشْتَغِلُ بِهِ (٤) دَاعٍ يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ وَسِرَاجٌ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ حَتى قَالَ رَسُولُ اللهِ : "نَضَّرَ الله امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتى يُبَلِّغَهُ" (٥). وَقَالَ أَيْضًا: "مَنْ حَفِظَ عَلَى أُمَّتِي (٦) أَرْبَعِيْنَ حَدِيثًا مِنْ أَمْرِ دِينِهَا بَعَثَهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقِيهًا عَالِمًا". وَفِي رِوَايَةٍ: "كُتِبَ فِي زمْرَةِ الْعُلَمَاءِ وَحُشِرَ في زُمْرَةِ الشُّهَدَاءِ" (٧). (وَالْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا) (٨).

فَلِهذَا (٩) وَلِمَا فَطَرَنِي الله عَلَيْهِ مِنْ حُبِّ الْحَدِيثِ وَالشَّغَفِ بِهِ (١٠) فَكَّرْتُ في جَمْعِ كِتَابٍ في الْحَدِيثِ، وَاستَشَرْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ، وَاسْتَخَرْتُ الله تَعَالَى فَلَاحَتْ لِي لَوَائِحُ التَّيْسيْرِ، وَاسْتَضَاءَتْ لِي مَصَابِيحُ التَّبْشِيْرِ، فَاعْتَمَدْتُ عَلَى رَبِّي وَأَجْمَعْتُ أَمْرَي (١١)


(١) جمع سنة وهي الطريقة المتبعة. وسنن الرسول أقواله وأفعاله وتقريراته ووصفه وسمته
وهديه التي كان متصفًا بها، فآثاره القولية والفعلية بيان للسنن.
(٢) أي في دنياهم.
(٣) في أخراهم.
(٤) أي بالحديث يدعو الناس إلى الله تعالى وما أسعده بذلك، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: ٣٣]. وقد دعا له النبي بالبهجة في الدنيا والبعث على أحسن حال.
(٥) سيأتي في العلم بسند صحيح.
(٦) أي نقل لها في مكتوب وإن لم يحفظ اللفظ والمعنى لحصول النفع به ولو درسها لجماعة من المسلمين لكان أفضل.
(٧) هذا الحديث أورده إمام المحدثين النووي في خطبة كتابه الأربعين وقال: اتفق الحفاظ على أنه ضعيف وإن كثرت طرقه، ولكنهم اتفقوا على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال. كما اتفقوا على كتابته ودرسه.
(٨) أي معتبرة بالمراد منها فكلما كان القصد ساميًا كان العمل الموصل إليه أسمى وأرفع؛ لأنَّه الوسيلة إليه ولا وجود له إلا به. والقصد من تأليف هذا الكتاب تقريب الشريعة إلى العباد حتى يتناولوها بسهولة، فيسعدوا في دنياهم وأخراهم، وهذا نهاية ما يمكن عمله من الكمال.
(٩) لرفعة قدر الحديث وشرف المشتغل به.
(١٠) بالتحريك شدة التلهف عليه وعدم الشبع منه، وهذه حالي من نشأتي والحمد لله. فقد وفقني الله تعالى حفظ الأربعين النووية ومختصر البخاري قبل نيلي شهادة العالمية ببضع سنين.
(١١) عزمت وصممت عليه. ومنه: ﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ﴾ [يونس: ٧١] وسيأتي في الصوم "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له".

<<  <  ج: ص:  >  >>