للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكل قطر رؤية (١)

• عَنْ كرَيْبٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ (٢) لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي ابْنِ عَبَّاسٍ: مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، قَالَ: رَأَيْتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: لكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَة السَّبْتِ (٣) فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ (٤) فَقُلْتُ: أَوْ لَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ، فَقَالَ: لَا، هكذَاَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ (٥). رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.


لكل قطر رؤية
(١) فرؤية الهلال في الشام لا تسرى على أهل الحجاز أو اليمن مثلا وبالعكس؛ لأن كل إقليم مخاطبون بما يظهر لهم فقط كأوقات الصلاة، ولو كلفوا بما يظهر في جهة أخرى لشق عليهم ذلك. ومعلوم أن المطالع تختلف، فربط كل جهة بمطلعها أخف وأحكم. فإذا ثبتت رؤية الهلال في جهة وجب على أهل الجهة القريبة منها من كل ناحية أن يصوموا، والقرب يحصل باتحاد المطلع بأن يكون دون أربعة وعشرين فرسخا، وعلى هذا بعض الصحب والتابعين وإسحاق والشافعي، وقال الجمهور: إذا ثبتت رؤية الهلال في بلد وجب على كل المسلمين العمل بها، وعليه الأئمة الثلاثة، قاله الخطابي. وقال ابن الماجشون: لا يلزم أهل بلد رؤية غيرهم إلا أن يثبت ذلك عند الإمام الأعظم، فيلزم الناس كلهم؛ لأن البلاد في حقه كالبلد الواحد، وحكمه نافذ على الجميع. وفي الشروح هنا كلام طويل. ولابن حجر في الفتح عدة أقوال فارجع إليها إن شئت.
(٢) استهل رمضان أي ظهر هلاله، ولفظ الترمذي: فرأينا، وهو أنسب.
(٣) وأصبحنا صاغين يوم السبت.
(٤) أي الهلال.
(٥) أي أمرنا النبي أن نتعبد على رؤية مطلعنا دون رؤية مطلع آخر يخالف مطلعنا، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ..

(فائدة)
أهل الأقطار إذا ذهبوا للحج وعلموا أن الرؤية في الحجاز خالفت الرؤية في بلادهم فهل يعملون برؤية الحجاز أو برؤية بلادهم؟ الظاهر الأول لأن مشاعر الحج ومناسكه في الحجاز، فيلزم أن تكون على مطلعه ورؤيته، ولا يأتي في حديث سليمان بن يسار في الإحصار في كتاب الحج، وهذا على القول الأول، أما على قول الجمهور فالعبرة بالرؤية الأولى. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>