للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم الحاكم لا يحلل الحرام]

• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِى لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئاً فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ (١)». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدَ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ (٢) وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ فِي سُخْطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ (٣) وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ (٤) حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ وَمَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةِ بِظُلْمٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ﷿ (٥)». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَالِحٍ. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّتْرَ وَالتَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضى آمِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.


حكم الحاكم لا يحل الحرام
(١) قوله ألحن بحجته أي أقوى وأبلغ، وقوله فأقضي له على نحو ما أسمع، ولفظ مسلم فأحسب أنه صادق فأقضي له أي فإني أمرت أن أحكم بالظاهر لي والله يتولى السرائر. وسببه أن النبي خرج من بيته فوجد قوما يرفعون أصواتهم في خصومة بينهم فذكر الحديث. وفيه تجويز الخطأ على كل حاكم تعليمًا للأمة، وإلا فأحكامه كانت موافقة لما في الواقع فإنه معصوم، وفيه أنه يجب على الحاكم أن يحكم بالأدلة الظاهرة دون غيرها وإن وافق الواقع كعلمه بطريق الكشف. وفيه تحذير من أكل الحرام وإن حكم الحاكم به. فمن شهد له شاهدا زور بشيء فحكم له به الحاكم حرم عليه أخذه، وكذا إذا شهدا بطلاق امرأة حرم عليهما أو أحدها زواجها، وكذا من علم أن الشهادة كانت زورًا، وكذا لو شهدا بقتل حرم على رب الدم أخذ القصاص أو الدية إذا على كذبهما. فحكم الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالًا في الأموال وغيرها لا في الدنيا ولا في الآخرة وإن نفذ في الظاهر وعليه الجمهور سلفًا وخلفًا وأصحاب أبي حنيفة. وقال أبو حنيفة: إنه يحل الفروج دون الأموال. والله أعلم.
(٢) فمن تسبب في منع إقامة حد بعد وصوله للحاكم فقد حارب الله لأن محاربة أمر الله محاربة لله.
(٣) أي حتى يرجع عنه.
(٤) الردغة: الطين. والخبال: عصارة أهل النار، أي ما يسيل من أبدانهم فهو مسكن من يقدح في أعراض المسلمين.
(٥) فمن أعان خصما في باطل بتشجيعه أو شهادته معه فقد استحق غضب الله تعالى فما بالك بمن يخاصم باطلا ويؤذى المسلمين. نسأل الله التوفيق والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>