بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين. أما بعد: فلما منّ الله عليّ وألفت كتاب "التاج لجامع للأصول" عرضته على أولى الرأي من كبار العلماء وعلى وزارة الأوقاف فحبذوه واستحسنوه، ولكنهم أشاروا عليّ بشرحه ليكمل النفع به. فتوقفت واعتذرت لضعف عينىّ من جهة، ولصعوبة الشرح من جهة أخرى. فإن شارح الحديث يعترضه أمور صعاب لا يدريها كثير من الناس، وذلك كتحقيق الحديث ومعرفة متونه من صحيح وحسن وضعيف متصلًا كان أو منقطعًا أو مرسلًا، ومن مشهور وغريب ومتواتر وآحاد وغير ذلك، كالناسخ والمنسوخ والخاص والعام والمجمل والمبين، فضلًا عن هذا فهو مضطر إلى بيان الأمر في الحديث هل هو للوجوب أو للندب أو للإباحة، وبيان النهي هل هو للتحريم أو للكراهة، وما طريق ذلك البيان. وهذه أشق أنواع التأليف وأبعدها مدى في الحديث، ولكنه سهل على من يسره الله عليه. لهذا توقفت كثيرًا فقال لي أحد كبار العلماء: يا أستاذ لا يمكن لأي شخص تدريس البخاري وحده بدون شرح فما بالك بالأصول الخمسة. وقال لي عالم فاضل: كتابك بغير شرح لا ينتفع به إلا الخواص، فإذا شرحته انتفع به الخاص والعام. فاقتنعت بضرورة الشرح ولكني لا زلت وجلًا من تلك الصعوبات السالفة، وطالما تمنيت أن يقوم بالشرح رجل من أهل العلم فما تيسر لي ذلكَ. فتضرعت إلى الله تعالى أن يشرح لي صدري وأن ييسر لي أمري وأن يوفقني للصواب وأن يرشدني للمراد وأن يتفضل عليّ بروح من عنده كما تفضل عليّ بالأصل إنه واسع الفضل والعطاء آمين.
(١) بدأته بالبسملة والحمدلة كما فعل ربي في كتابه. وفي الحديث: "تخلقوا بأخلاق الله تعالى ". (٢) الإضافة للبيان. (٣) قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧]. (٤) قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [الجمعة: ٢]. (٥) هو القرآن. قال تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢]. (٦) قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء: ١٧٤].