للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ أَقْضِ شَيْئاً فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ فَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ وَيَا لَيْتَنِي فَعَلْتُ ثُمَّ لَمْ يُقَدَّرْ ذَلِكَ لِي فَطَفِقْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ النَّبِيِّ يُحْزِنُنِي أَنِّي لَا أَرَى لِي أُسْوةً إِلا رَجُلاً مَغْمُوصاً عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ (١) أَوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْنِي النَّبِيُّ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ: «مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ (٢) فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلا خَيْراً فَسَكَتَ النَّبِيُّ فَبيْنَمَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ رَأَى رَجُلًا مُبَيِّضَا يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ (٣) فَقَالَ : «كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ فَإذَا هُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ الَّذِي تَصَدَّقَ بِصَاعِ التَّمْرِ حِينَ لَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ (٤)» فَلَمَا بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيِّ قَدْ تَوَجَّه قَافِلاً مِنْ تَبُوكَ حَضَرَنِي بَثِّي (٥) فَطَفِقْتُ أَتَذَكَرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ: بِمَ أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَداً. وَأَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ رَأْيٍ مِنْ أَهْلي. فَلَمَّا قيلَ لِي إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَظَلَّ قَادِماً زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ حَتَّى عَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَنْجُوَ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَبداً فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ (٦) وَصَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ قَادِماً وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ (٧) فَجَاءَ الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ (٨) وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلاً فَقَبِلَ مِنْهُمْ النَّبِيُّ عَلَانِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ حَتَّى جِئْتُ فَلَمَّا


(١) مطعونا عليه به.
(٢) أي حبسه اختياله وإعجابه بنفسه ولباسه.
(٣) السراب: ما يرى في شدة الحر كأنه ماء وليس بماء، فلما رأى النبي رجلا يتحرك به السراب قال: كن أبا خيثمة، أي أنت أبو خيثمة فكان أبا خيثمة.
(٤) عابوه.
(٥) قافلا أي راجعًا، وبثي أي حزني، فطفقت أي صرت أفكر في الكذب لئلا يغضب على النبي .
(٦) أي عزمت على صدقي معه، وصبح قادما أي دخل صباحا.
(٧) حتى يسلموا عليه.
(٨) المخلفون هم الذين تخلفوا عن هذه الغزوة، جاءوا للنبي فاعتذروا له وحلفوا فقبل منهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>